مُلَخَّصٌ:
تَهْدِفُ هذِهِ الدِّراسَةُ إِلى تَأَمُّلٍ وَتَحْلِيلِ آياتِ القُرآنِ الكَرِيمِ المُتَعَلِّقَةِ بِمَسْأَلَةِ تَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ.
المُقَدِّمَةُ:
الدِّراسَةُ الحاضِرَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَأَمُّلٍ فِي الآياتِ القُرآنِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ، وَتُعْتَبَرُ خُطْوَةً فِي فَهْمِ ما يَتَعَلَّقُ بِهذَا المَوْضوعِ مِن خِلالِ القُرآنِ الكَرِيمِ.
الطَّرِيقَةُ:
تَمَّتْ دِراسَةُ هذَا المَوْضوعِ مِن خِلالِ قِراءَةٍ تَحْلِيلِيَّةٍ دَقِيقَةٍ لِلآياتِ القُرآنِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ، بِاسْتِخْدامِ المَنْهَجِ المَكْتَبِيِّ.
النَّتائِجُ:
الإِذْنُ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ مَشْروطٌ بِشُروطٍ مَحْدُودَةٍ جِدًّا وَنَادِرَةٍ.
إِنَّ جَمْعَ الشُّروطِ المَوْجُودَةِ فِي الآيَةِ هُوَ الَّذِي يُمْنَحُ هذَا الإِذْنَ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ نَقْصَ أَيٍّ مِن هذِهِ الشُّروطِ قَدْ يُبْطِلُ الإِذْنَ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجاتِ. فَالغَرَضُ مِن هذَا التَّشْرِيعِ هُوَ رِعايَةُ الْيَتامى وَأَمْوالِهِم فَقَطْ.
الاسْتِنْتاجُ:
إِنَّ تَفْسِيرَ الآيَتَيْنِ الثّانِيَةِ وَالثّالِثَةِ مِن سُورَةِ النِّساءِ عَلَى أَنَّهُما تُجِيزانِ تَعَدُّدَ الزَّوْجاتِ بِالشَّكْلِ المُتَعارَفِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَساسٌ صَحِيحٌ.
الكَلِماتُ المُفْتاحِيَّةُ:
أَطْفالٌ، يَتِيمٌ، تَعَدُّدُ الزَّوْجاتِ، مَلَكَةٌ، أَمْوالٌ.
البَرِيدُ الإِلِكْترونِيُّ:
المُقَدِّمَةُ:
لَقَدْ مَضَتْ فَتْرَةٌ طَوِيلَةٌ مُنْذُ تَحْدِيدِ تَارِيخٍ دَقِيقٍ لِحُرِّيَّةِ الزَّوَاجِ حَتَّى أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ بِالطَّرِيقَةِ المُتَّبَعَةِ حَالِيًّا، وَهُوَ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى دِرَاسَةٍ تَارِيخِيَّةٍ وَلَا يَنْدَرِجُ ضِمْنَ نِطَاقِ هذِهِ المَقَالَةِ.
فِي المُجْتَمَعَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَبِشَرْطِ وُجُودِ القُدْرَةِ المَالِيَّةِ وَ"العَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ"، يُسْمَحُ لِلرَّجُلِ بِحُرِّيَّةِ الزَّوَاجِ حَتَّى أَرْبَعِ نِسَاءٍ (مَعَ الِالْتِزَامِ بِحَيَاةِ النِّسَاءِ، أَي حَتَّى أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ).
وَيَتِمُّ تَبْرِيرُ ذَلِكَ بِالِاسْتِنَادِ إِلَى الآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، حَيْثُ يُرَدُّ عَلَى السُّؤَالِ وَأَيِّ اْعْتِرَاضٍ يَتَعَلَّقُ بِهذَا المَوْضُوعِ مِنْ خِلَالِ الِاسْتِنَادِ إِلَيْهَا.
وَمَعَ ذَلِكَ، نَشْهَدُ أَشْكَالًا مُتَعَدِّدَةً مِنَ الآثَارِ السَّلْبِيَّةِ لِهذَا الأَمْرِ، مِثْلَ تَدَهْوُرِ الصِّحَّةِ النَّفْسِيَّةِ لِلْأُسْرَةِ، وَخَاصَّةً المَرْأَةِ، وَمِنْ ثَمَّ الأَبْنَاءُ، وَعَدَاوَاتِ الأَبْنَاءِ مَعَ الأَبِ وَزَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ الجُدُدِ، وَعَدَاوَاتِ الأَبْنَاءِ مَعَ أَبْنَاءِ الزَّوْجَةِ أَوْ زَوْجَاتِ الأَبِ، إِلَى جَانِبِ الآثَارِ المُبَاشِرَةِ وَغَيْرِ المُبَاشِرَةِ الَّتِي تُهَدِّدُ النِّظَامَ المُقَدَّسَ لِلْأُسْرَةِ.
أَهْدَافُ البَحْثِ:
هَدَفُ هذِهِ الدِّرَاسَةِ هُوَ دِرَاسَةٌ دَقِيقَةٌ لِآيَاتِ القُرْآنِ الكَرِيمِ المُتَعَلِّقَةِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَالتَّعَرُّفُ عَلَى كَيْفِيَّةِ تَطْبِيقِ ذَلِكَ.
أَسْئِلَةُ البَحْثِ:
• هَلْ يُوجَدُ فِي الكِتَابِ السَّمَاوِيِّ القُرْآنِ أَمْرٌ أَوْ إِذْنٌ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ؟
• إِذَا كَانَ هُنَاكَ إِذْنٌ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ، فَمَا هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي يَجِبُ تَوَافُرُهَا؟
• فِي حَالِ وُجُودِ إِذْنٍ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ، مَا هُوَ الهَدَفُ مِنْ إِصْدَارِ هذَا الحُكْمِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ؟
الطَّرِيقَةُ:
تَمَّتِ الدِّرَاسَةُ بِاسْتِخْدَامِ المَنْهَجِ المَكْتَبِيِّ، بِالإِضَافَةِ إِلَى اسْتِخْدَامِ البَرَامِجِ الحَاسُوبِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمَوْضُوعِ.
النَّتَائِجُ:
الآيَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، الَّتِي يُسْتَنْتَجُ مِنْهَا إِذْنُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ، تَرْتَبِطُ وَتَسْتَمِرُّ فِي سِيَاقِ الآيَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاليَتَامَى وَضَرُورَةِ إِعَادَةِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ. ذَلِكَ لِأَنَّ قَضِيَّةَ غَصْبِ أَمْوَالِ اليَتَامَى كَانَتْ مِنَ الحَوَادِثِ الشَّائِعَةِ فِي فَتْرَةِ الجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ، كَمَا هُوَ مُوَضَّحٌ فِي الآيَاتِ التَّالِيَةِ:
«وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تُبَدِّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا.» (النِّسَاء/٢)
«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا.» (النِّسَاء/٣)
(أَعْطُوا أَمْوَالَ اليَتَامَى وَلَا تُبَدِّلُوا الطَّيِّبَ بِالخَبِيثِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ، إِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِثْمًا كَبِيرًا).
المَعْنَى الشَّائِعُ، وَلَكِنِ الخَاطِئُ، لِلآيَةِ الثَّالِثَةِ هُوَ كَمَا يَلِي:
“وَإِذَا كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ عَدَمِ تَنْفِيذِ العَدَالَةِ بَيْنَ بَنَاتِ اليَتَامَى، فَخُذُوا مِنَ النِّسَاءِ مَا يُعْجِبُكُمْ، اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا. وَإِذَا خِفْتُمْ مِنْ عَدَمِ العَدَالَةِ، فَاقْتَصِرُوا عَلَى وَاحِدَةٍ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.”
يَبْدُو أَنَّ الآيَةَ الثَّانِيَةَ تَأْمُرُ بِالزَّوَاجِ مِنَ اليَتِيمَاتِ فِي حَالَةِ عَدَمِ تَطْبِيقِ العَدَالَةِ، بَيْنَمَا فِي الآيَةِ الثَّالِثَةِ يَظْهَرُ الخَوْفُ مِنْ عَدَمِ تَطْبِيقِ العَدَالَةِ مَعَ الزَّوْجَاتِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى التَّشْرِيعِ بِالزَّوَاجِ مِنْ نِسَاءٍ أُخَرَ.
وَإِذَا كَانَ ٱلدِّعَاءُ حَوْلَ ٱلزَّوَاجِ بِٱلْيَتِيمَاتِ بَعْدَ بُلُوغِهِنَّ، فَمَا ٱلْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا ٱلزَّوَاجِ وَغَيْرِهِ مِنَ ٱلزِّيَاجَاتِ؟ لِذَلِكَ، ٱلْمَعْنَى ٱلصَّحِيحُ لِلآيَةِ ٱلثَّالِثَةِ هُوَ:
"وَإِذَا كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ عَدَمِ تَطْبِيقِ ٱلْعَدْلِ فِي إِعَادَةِ حِصَصِ ٱلْيَتَامَىٰ وَأَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ، فَٱخْتَارُوا مِنَ ٱلنِّسَاءِ مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلْعَدْلِ، وَإِنْ خِفْتُمْ مِنْ عَدَمِ ٱلْقُدْرَةِ عَلَى ٱلْعَدْلِ مَعَ ٱلْيَتِيمَاتِ، فَٱقْصُرُوا عَلَىٰ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ."
كَمَا هُوَ مُلَاحَظٌ، فَإِنَّ ٱلآيَةَ ٱلثَّالِثَةَ تَأْتِي ٱمْتِدَادًا لِلآيَةِ ٱلثَّانِيَةِ، وَفِي ٱلْوَاقِعِ هِيَ نَتِيجَةٌ لَهَا،
لِأَنَّ ٱلآيَةَ ٱلثَّانِيَةَ تَتَعَلَّقُ بِٱلْيَتَامَىٰ، حَيْثُ أَنَّهُ عِنْدَمَا يُتَمُّ تَعْيِينُ شَخْصٍ كَأَمِينٍ عَلَىٰ أَمْوَالِ ٱلْيَتَامَىٰ، يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ خَلْطِ ٱلْأَشْيَاءِ غَيْرِ ٱلْجَيِّدَةِ بِأَشْيَاءِ ٱلْيَتَامَىٰ ٱلْأَفْضَلِ، وَأَيْضًا عَنْ خَلْطِ ثَرْوَاتِهِمْ مَعَ أَمْوَالِهِ ٱلْخَاصَّةِ.
وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ٱلشَّخْصُ ٱلْأَمِينُ قَلِقًا مِنْ أَنَّهُ لَنْ يُطَبِّقَ ٱلْعَدَالَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِٱلْيَتَامَىٰ، فَيُمْكِنُهُ ٱلزَّوَاجُ مِنَ ٱلنِّسَاءِ – وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَيِّ ٱمْرَأَةٍ! بَلْ مِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلَّوَاتِي يُؤَدِّي ٱلزَّوَاجُ بِهِنَّ إِلَىٰ تَطْبِيقِ ٱلْعَدَالَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِٱلْيَتَامَىٰ – وَيُمْكِنُهُ ٱلزَّوَاجُ حَتَّىٰ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ.
ثُمَّ إِذَا كُنْتُمْ قَلِقِينَ مِنْ أَنَّهُ فِي حَالِ ٱلزَّوَاجِ بِأَرْبَعِ نِسَاءٍ، لَنْ تَتَمَكَّنُوا مِنْ تَطْبِيقِ ٱلْعَدَالَةِ بَيْنَهُنَّ،
أَيْ أَنَّكُمْ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُوَفُّوا بِحُقُوقِ "حِسَابِ أَمْوَالِ" ٱلْيَتَامَىٰ لِكُلِّ أُسْرَةٍ بِشَكْلٍ كَامِلٍ، أَوْ قَدْ تَخْلِطُوا دَخْلَ كُلِّ أُسْرَةٍ بِدَخْلِ ٱلْيَتَامَىٰ فِي أُسَرٍ أُخْرَىٰ، فَعِنْدَئِذٍ يَجِبُ أَنْ تَقْتَصِرُوا عَلَىٰ وَاحِدَةٍ (وَذَلِكَ بِٱلِٱعْتِنَاءِ بِأَمْوَالِ ٱلْيَتَامَىٰ أَوِ ٱلْيَتَامَىٰ فِي أُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ)، وَفِي حَالَةِ ٱلْحَاجَةِ – إِذَا كَانَ هُنَاكَ ٱحْتِمَالٌ لِخِيَانَةِ ٱلْيَتَامَىٰ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنَ ٱلْأَشْكَالِ – يُمْكِنُكُمْ ٱلزَّوَاجُ مِنْ أُمِّهِمْ، أَوِ ٱلِٱكْتِفَاءُ بِٱلِٱعْتِنَاءِ بِمُمْتَلَكَاتِكُمْ ٱلْخَاصَّةِ (مِنْ أَمْوَالٍ، وَزَوْجَةٍ، وَأَبْنَاءٍ).
بِٱلتَّأْكِيدِ، فِي هَذِهِ ٱلْآيَاتِ، تَمَّ رَبْطُ تَعَدُّدِ ٱلزَّوْجَاتِ بِحُقُوقِ ٱلْيَتَامَىٰ، كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ "يَتَامَىٰ" تَشْمَلُ ٱلْأَطْفَالَ ٱلْيَتَامَىٰ مِنْ كِلَا ٱلْجِنْسَيْنِ، ٱلذُّكُورِ وَٱلْإِنَاثِ. وَإِذَا كَانَ مِنَ ٱلْمُفْتَرَضِ أَنْ نَأْخُذَ ٱلْكَلِمَةَ بِمَعْنًى مُؤَنَّثٍ فَقَطْ، فَمَاذَا عَنِ ٱلْأَطْفَالِ ٱلْيَتَامَىٰ مِنَ ٱلذُّكُورِ؟
عِنْدَمَا تَأْتِي ٱلْآيَةُ بِشَكْلٍ عَامٍّ لِتَشْمَلَ كِلَا ٱلْجِنْسَيْنِ مِنَ ٱلْيَتَامَىٰ، كَيْفَ يُمْكِنُ، دُونَ أَيِّ مُبَرِّرٍ، أَنْ يُطَبَّقَ ٱلْحُكْمُ عَلَىٰ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَقَطْ – بَطَبِيعَةِ ٱلْحَالِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ – وَٱسْتِثْنَاءُ ٱلْجِنْسِ ٱلْآخَرِ مِنْ تَطْبِيقِهِ؟!
أَلَيْسَ مِنَ ٱلْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَلَاعُبًا فِي تَفْسِيرِ ٱلْآيَةِ؟ وَهَلْ لَا يَحْتَاجُ ٱلْأَطْفَالُ ٱلْيَتَامَىٰ مِنَ ٱلذُّكُورِ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَىٰ وَلِيٍّ أَوْ قَيِّمٍ؟
وَمِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلطِّفْلَ ٱلَّذِي هُوَ مِصْدَاقُ نُزُولِ هَذِهِ ٱلْآيَةِ، كَمَا جَاءَ فِي ٱلْحَاشِيَةِ، كَانَ صَبِيًّا وَلَيْسَ فَتَاةً!
كَلِمَةُ "يَتِيمٍ" لَهَا تَعْرِيفٌ مُحَدَّدٌ، وَهِيَ تَعْنِي ٱلطِّفْلَ ٱلَّذِي لَا أَبَ لَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ سِنَّ ٱلرُّشْدِ؛ أَيْ ٱلطِّفْلَ ٱلَّذِي فَقَدَ وَالِدَهُ وَلَمْ يَصِلْ بَعْدُ إِلَىٰ سِنِّ ٱلْبُلُوغِ. ثُمَّ فِي ٱلْآيَةِ ٱلسَّادِسَةِ مِنْ نَفْسِ ٱلسُّورَةِ يَأْتِي ٱلنَّصُّ ٱلتَّالِي:
«وَٱبْتَلُوا ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا ٱلنِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فَٱدْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ» (ٱلنِّسَاءِ/٦).
وَهَذَا يُشِيرُ إِلَىٰ أَنَّهُ يَجِبُ ٱخْتِبَارُ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ يَصِلُوا إِلَىٰ سِنِّ ٱلنِّكَاحِ (سِنِّ ٱلرُّشْدِ)، وَعِنْدَئِذٍ يَجِبُ رَدُّ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ.
هَذِهِ ٱلْآيَةُ تَتَنَاقَضُ مَعَ ٱلْمَعْنَى ٱلشَّائِعِ وَٱلِٱسْتِنْبَاطِ ٱلْخَاطِئِ لِلآيَتَيْنِ ٱلثَّانِيَةِ وَٱلثَّالِثَةِ ٱلَّتَيْنِ تُفِيدَانِ بِزَوَاجِ ٱلْيَتِيمَاتِ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ عَجْزٌ عَنْ تَحْقِيقِ ٱلْعَدَالَةِ فِي مُعَامَلَتِهِنَّ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُبَرِّرُ ٱلزَّوَاجَ مِنَ ٱلنِّسَاءِ ٱلْأُخْرَيَاتِ حَتَّىٰ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ.بالطبع، إليك النص مشكولًا بالكامل:
فَالآيَةُ تَقُولُ: إِنَّ الْيَتَامَى الَّذِينَ تَوَلَّيْتُمْ أَمْرَ أَمْوَالِهِمْ يَجِبُ اخْتِبَارُهُمْ عِنْدَمَا يَصِلُونَ إِلَى سِنِّ الْبُلُوغِ (أَيْ عِنْدَمَا يَكُونُونَ فِي سِنِّ النِّكَاحِ)، وَعِنْدَمَا يَظْهَرُ مِنْهُمُ الرُّشْدُ اللَّازِمُ، يَجِبُ عَلَيْكُمْ رَدُّ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَا تَقُولُ الآيَةُ هُنَا إِنَّهُ يَجِبُ الزَّوَاجُ مِنْهُمْ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ، بَلْ بِبَسَاطَةٍ تَقُولُ إِنَّهُ عِنْدَمَا يُصْبِحُونَ قَادِرِينَ عَلَى الزَّوَاجِ، يَجِبُ رَدُّ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ أَصْبَحُوا قَادِرِينَ عَلَى إِدَارَةِ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ.
إِذَنْ، جُمْلَةُ: "وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ" لَيْسَتْ مَقْصُورَةً عَلَى الْيَتِيمَاتِ اللَّاتِي تَزَوَّجَهُنَّ أَحَدٌ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، هَلْ يُمْكِنُ الزَّوَاجُ مِنْ طِفْلَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ سِنَّ الْبُلُوغِ؟!
لِذَا، الْفَهْمُ الْخَاطِئُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، كَمَا فِي الْقَوْلِ: "إِذَا كُنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ مَعَ الْيَتِيمَاتِ اللَّاتِي تَزَوَّجْتُمُوهُنَّ، فَعَلَيْكُمْ الزَّوَاجُ مِنْ نِسَاءٍ أُخَرَ حَتَّى أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ!"
لَا يُمْكِنُ تَبْرِيرُهُ بِأَيِّ حَالٍ، لِأَنَّ:
أَوَّلًا: الْمَوْضُوعُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنِ الْيَتِيمِ وَأَمْوَالِهِ لَمْ يُتْرَكْ فَقَطْ غَيْرَ مُكْتَمِلٍ، بَلْ تَمَّ اسْتِبْدَالُهُ بِالْمَوْضُوعِ الثَّانِي؛
أَيْ أَنَّهُمْ فَهِمُوا وَكَأَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا سَابِقًا بِالزَّوَاجِ مِنَ الْيَتِيمَاتِ، فَبِدَلًا مِنْ قَوْلِ: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ" فَهِمُوهُ كَـ "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الزَّوْجَةِ"، وَبِالتَّالِي جَاءَتْ بَقِيَّةُ الآيَةِ "فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ" لِتُؤَيِّدَ هَذَا الْفَهْمَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِتَفْسِيرِهِمْ هَذَا لِلآيَةِ، تَرَكُوا الْأَطْفَالَ الْيَتَامَى الذُّكُورَ دُونَ تَحْدِيدٍ أَوْ تَوْجِيهٍ.
وَأَيْضًا، مِنْ خِلَالِ تَفْسِيرِ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" عَلَى أَنَّهَا تَعْنِي "الْجَوَارِي"،
لَمْ يَقْتَصِرِ الْأَمْرُ عَلَى تَبْرِيرِ الزَّوَاجِ مِنْ أَرْبَعِ نِسَاءٍ فَحَسْبُ، بَلْ تَمَّ اقْتِرَاحُ الزَّوَاجِ مِنَ الْجَوَارِي أَيْضًا فِي حَالَةِ الرَّغْبَةِ الْإِضَافِيَّةِ! بَيْنَمَا هَذَا الْمُصْطَلَحُ عَامٌّ وَيَعْنِي "مَا يَمْلِكُهُ الْفَرْدُ" مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنَ الْمُمْتَلَكَاتِ أَوِ الْمَوَارِدِ.
الْفَهْمُ الْخَاطِئُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ، الَّذِي أَدَّى إِلَى انْتِشَارِ أُسْلُوبِ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ الْحَالِي، هُوَ الَّذِي سَاهَمَ فِي تَخْصِيصِ مُصْطَلَحِ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" لِيَقْتَصِرَ عَلَى الْجَوَارِي فَقَطْ!
بَيْنَمَا التَّرْكِيزُ عَلَى السِّيَاقَاتِ التَّطْبِيقِيَّةِ لَهَا فِي الْقُرْآنِ، يُظْهِرُ أَنَّ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" هُوَ مُصْطَلَحٌ عَامٌّ، وَيَصْدُقُ فِي كُلِّ حَالَةٍ يُشَارُ فِيهَا إِلَى مُمْتَلَكَاتِ الْفَرْدِ أَوْ مَا يَمْلِكُهُ.
السُّؤَالُ هُوَ:
هَلِ الْإِنْسَانُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْجَارِيَةِ فَقَطْ وَلَا شَيْءَ آخَرَ؟
وَثَانِيًا: كَمْ نِسْبَةِ النَّاسِ الَّذِينَ كَانَ لَدَيْهِمْ أَوْ لَدَيْهِمُ الْقُدْرَةُ عَلَى امْتِلَاكِ الْجَوَارِي؟
وَثَالِثًا: لِمَاذَا يُعْتَبَرُ تَحْرِيرُ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي مِنَ الْقِيَمِ الدِّينِيَّةِ وَالسُّنَّةِ؟
حَتَّى فِي الآيَةِ ٣٢ مِنْ سُورَةِ النُّورِ، أُمِرَ بِخَلْقِ ظُرُوفٍ مُنَاسِبَةٍ لِمُسَاعَدَةِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي عَلَى الزَّوَاجِ، وَهَذَا يَتَنَاقَضُ مَعَ الْفَهْمِ الْخَاطِئِ لِـ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، حَيْثُ يُفْتَرَضُ أَنَّ صَاحِبَ الْجَارِيَةِ يُمْكِنُهُ بِسُهُولَةٍ أَنْ يَجْعَلَهَا زَوْجَةً لَهُ.
فِي الْفَهْمِ الْخَاطِئِ لِلآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ،
تَمَّ فَرْضُ أَنَّ الْيَتِيمَ يَعْنِي فَقَطِ الْيَتِيمَةَ، وَأَنَّ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" تَعْنِي فَقَطِ النِّسَاءَ مِنَ الْعَبِيدِ.
بَيْنَمَا كِلَا الْمُصْطَلَحَيْنِ، "يَتِيم" وَ"مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، يَشْمَلَانِ الْجِنْسَيْنِ.
لِذَا، الْمَقْصُودُ مِنْ "الْيَتِيم" لَيْسَ الْيَتِيمَةَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا أَحَدٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" لَيْسَ الْعَبِيدَ مِنَ النِّسَاءِ فَقَطْ.
الآيَةُ: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ" تَتَعَلَّقُ بِالْيَتَامَى، وَلَيْسَتْ بِالزَّوْجَاتِ!
وَإِشَارَةُ إِلَى الزَّوَاجِ بِالنِّسَاءِ جَاءَتْ بَعْدَ مَوْضُوعِ الْخَوْفِ مِنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ مَعَ الْيَتَامَى، وَلَيْسَ بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ.
مِنَ الْأَسَاسِ، عِنْدَمَا يَكُونُ الْمَوْضُوعُ مُتَعَلِّقًا بِحُقُوقِ الْيَتَامَى، فَمَا عَلَاقَةُ الزَّوَاجِ مِنْ نِسَاءٍ أُخَرَ بِهَذَا الْمَوْضُوعِ؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَالِجَ هَذَا الْأَمْرَ مَسْأَلَةَ الْيَتَامَى؟
لِذَا، دَائِرَةُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ حَتَّى أَرْبَعِ نِسَاءٍ:
١. تَشْمَلُ النِّسَاءَ الْيَتِيمَاتِ.
٢. تَشْمَلُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي لَدَيْهِنَّ أَطْفَالٌ وَأَمْوَالٌ.
٣. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ الْمَعْنِيُّونَ فِي هَذَا السِّيَاقِ أُمَنَاءَ وَوُلَاةً عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى.
٤. إِذَا كَانَ هُنَاكَ احْتِمَالٌ لِخَلْطِ إِدَارَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَعَ أَمْوَالِ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ الْوَصِيُّ، أَوْ مَعَ أَمْوَالِ يَتَامَى آخَرِينَ تَحْتَ الرِّعَايَةِ، وَبِالتَّالِي أَنْ يُصْبِحَ مَدِينًا لَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يُقْتَصَرُ.
لِذَا، حَتَّى الرَّجُلُ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي يَكُونُ لَدَيْهِ "حِسَابٌ دَقِيقٌ" لِأَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا يُسْمَحُ لَهُ بِالزَّوَاجِ مِنْ أُمِّ الْيَتَامَى، لِأَنَّ مَجْمُوعَ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ الَّتِي تُعْطِي هَذَا الزَّوَاجَ شَرْعِيَّتَهُ.
أَيْضًا، اسْتِخْدَامُ مَصْطَلَحِ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" يُشِيرُ إِلَى الرَّجُلِ الْمُتَزَوِّجِ الَّذِي يُعَيَّنُ وَصِيًّا عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَذَلِكَ رُبَّمَا لِأَنَّهُ مِنَ الْمُرَجَّحِ أَنْ يَكُونَ لَدَى الشَّخْصِ الْمُتَزَوِّجِ تَجْرِبَةٌ أَعْمَقُ فِي فَهْمِ حَالَةِ الْأَطْفَالِ الْيَتَامَى.
وَلَكِنْ، لِمَاذَا لَمْ يَقُلْ "زَوْجَاتِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ" بَدَلًا مِنْ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"؟
السَّبَبُ هُوَ أَنَّ النَّصَّ يَتَحَدَّثُ عَنِ الْأَطْفَالِ الْيَتَامَى وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مَعًا.
وَلِعَدَمِ الإِطَالَةِ النَّاتِجَةِ عَنْ تَكْرَارِ الْعِبَارَاتِ، اسْتُخْدِمَ مَصْطَلَحٌ شَامِلٌ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" بَدَلًا مِنْ قَوْلِ "أَطْفَالِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ".
يَدْعُو الْقَارِئَ إِلَى دِرَاسَةِ الْمَوَاضِعِ وَالسِّيَاقَاتِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا مَصْطَلَحُ "مَا مَلَكَتْ"،
حَيْثُ جَاءَ ١٤ مَرَّةً فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَاشِيَةِ.
فَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ، يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْمَصْطَلَحِ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ، مِثْلَ: "مَا تَمْلِكُونَهُ حَالِيًّا" (مَا لَدَيْكُمْ)، وَ"مَنْ هُوَ تَحْتَ سُلْطَتِكُمْ"، وَذَلِكَ لِكِلَا الْجِنْسَيْنِ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ، بَلْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، يُفْهَمُ مِنْهُ "الرَّجُلُ الَّذِي يَكُونُ تَحْتَ السُّلْطَةِ".
وَتَحْدِيدًا فِي الْآيَةِ ٥٠ مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، جَاءَ هَذَا الْمَصْطَلَحُ مَتْبُوعًا بِبَيَانِ نَوْعِهِ، حَيْثُ أَوْضَحَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ هُنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْغَنَائِمِ الْحَرْبِيَّةِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْمَصْطَلَحُ يَعْنِي حَصْرِيًّا "الْجَوَارِي"، لَمَا كَانَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إِلَى بَيَانِ نَوْعِهِ أَوْ تَحْدِيدِ مِصْدَاقِهِ.
وَكَذَلِكَ، فِي الْآيَةِ ٢٥ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ، جَاءَ فِيهَا أَنَّهُ فِي حَالِ عَدَمِ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ لِلزَّوَاجِ مِنَ النِّسَاءِ الْمُحْصَنَاتِ،
يُمْكِنُ الزَّوَاجُ بِمَنْ هِيَ مِنْ "مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" بَعْدَ الْحُصُولِ عَلَى إِذْنٍ مِنْ أَهْلِهَا.
وَهَذَا لَا يَتَوَافَقُ مَعَ تَعْرِيفِ "الْجَارِيَةِ" بِالْمَفْهُومِ الشَّائِعِ، لِأَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِشَخْصٍ لَهُ عَائِلَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَنْ يُؤْخَذَ كَجَارِيَةٍ؟!
وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِـ**"مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"** هُوَ الْجَارِيَةَ بِالْمَعْنَى الْمُتَدَاوَلِ، فَلِمَاذَا يَكُونُ هُنَاكَ حَاجَةٌ أَصْلًا إِلَى الْحُصُولِ عَلَى إِذْنٍ؟
وَفِي النِّهَايَةِ، فِي نَفْسِ سُورَةِ النِّسَاءِ، الْآيَةِ ١٢٧،
تُذْكَرُ بِوُضُوحٍ الأَطْمَاعُ الْجَاهِلِيَّةُ فِي الاسْتِفَادَةِ مِنْ أَمْوَالِ النِّسَاءِ الْيَتِيمَاتِ،
وَكَذَلِكَ رَغْبَةُ الأَوْصِيَاءِ عَلَى هَذِهِ الأَمْوَالِ فِي تَزْوِيجِهِنَّ بِغَرَضِ الاسْتِيلَاءِ عَلَى مُمتَلَكَاتِهِنَّ وَإِخْضَاعِ أَبْنَائِهِنَّ الْيَتَامَى.
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الأَمْرُ بِصِيغَةِ التَّوْبِيخِ، مَعَ التَّأْكِيدِ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى ضَرُورَةِ تَحْقِيقِ الْعَدْلِ وَالْقِسْطِ فِي حَقِّهِنَّ.
الاسْتِنْتَاجُ:
الإِسْلَامُ هُوَ أَحَدُ الْمُدَافِعِينَ عَنِ الأُسْرَةِ، وَيُولِي أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً لِلطِّفْلِ وَحِمَايَةِ بِيئَتِهِ التَّرْبَوِيَّةِ.
وَقَدْ جَاءَتِ الأَوَامِرُ الإِلَهِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ الطِّفْلِ الْيَتِيمِ، بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَغَالِبًا بِصِيغَةٍ قَاطِعَةٍ، فِي مَجَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِثْلَ الْعَاطِفَةِ، وَالنَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَغَيْرِهَا، حَيْثُ تَظْهَرُ بِوُضُوحٍ فِي الْآيَاتِ الْمُبَارَكَةِ، سَوَاءٌ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ أَوْ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.
إِلَّا أَنَّ الْفَهْمَ الشَّائِعَ لَيْسَ فَقَطْ غَيْرَ مُتَمَاشٍ مَعَ تَعْزِيزِ مَكَانَةِ الأُسْرَةِ، وَالاهْتِمَامِ بِالطِّفْلِ الْيَتِيمِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ، وَالطِّفْلِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءِ الْيَتِيمَاتِ وَالْمُسْتَضْعَفَاتِ، بَلْ إِنَّهُ فِي الْوَاقِعِ يَتَنَاقَضُ تَمَامًا مَعَ جَمِيعِ الْقِيَمِ الَّتِي تَمَّ التَّأْكِيدُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ. هَذَا الْفَهْمُ الْخَاطِئُ يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ هَؤُلَاءِ الْفِئَاتِ إِلَى مُجَرَّدِ أَدَوَاتٍ، وَيَتَعَارَضُ بِشَكْلٍ كَامِلٍ مَعَ مَعَانِي تِلْكَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ.
عَلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، إِذَا كَانَ الْفَهْمُ الْحَالِيُّ لِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ صَحِيحًا، فَلِمَاذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِي تَارِيخِ الإِسْلَامِ أَوْ حَتَّى فِي الْعَصْرِ الْحَالِيِّ مَنْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا؟
لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِـ"مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ" كَمَا وَرَدَ فِي الْآيَةِ يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْفَهْمِ تَحْدِيدًا!
بَيْنَمَا فِي الْوَاقِعِ، لَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ هَذَا الْخِيَارُ مَطْرُوحًا فَقَطْ فِي حَالَاتٍ خَاصَّةٍ، مِثْلَ الْحُرُوبِ وَالْكَوَارِثِ، حَيْثُ كَانَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ تَفْقِدَ الْعَدِيدَ مِنَ الأُسَرِ مُعِيلَهَا، وَيُصْبِحَ ضَمَانُ رِعَايَةِ أَمْوَالِهِمْ وَمَسْؤُولِيَّاتِهِمْ أَمْرًا ضَرُورِيًّا جِدًّا.
هَلْ يُمْكِنُ لِدِينٍ يَعْتَبِرُ الدِّفَاعَ عَنْ حُقُوقِ النِّسَاءِ، وَالْفَتَيَاتِ، وَالْيَتَامَى، وَتَحْرِيرَ الْعَبِيدِ وَالأَسْرَى مِنْ أُولَى وَاجِبَاتِهِ، وَتَنْعَكِسُ فِي أُولَى آيَاتِهِ مَشَاعِرُ الرَّفْضِ لِمِثْلِ هَذَا الظُّلْمِ،
أَنْ يُجِيزَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَوِ احْتِمَالِيًّا، الاسْتِعْبَادَ وَالِاسْتِغْلَالَ الْجِنْسِيَّ لِلأَطْفَالِ (الْيَتَامَى) وَالنِّسَاءِ؟!
لِلأَسَفِ، فَإِنَّ التَّعَارُضَ الْقَائِمَ بَيْنَ الْمَسَائِلِ النَّاتِجَةِ عَنِ الْفَهْمِ الْخَاطِئِ الشَّائِعِ لِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ مِنْ جِهَةٍ، وَبَيْنَ الإِيمَانِ وَالْقُبُولِ بِالْقُرْآنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى،
قَدْ دَفَعَ الْبَعْضَ إِلَى مُحَاوَلَةِ تَبْرِيرِ هَذَا الأَمْرِ، بَلْ وَكِتَابَةِ مَقَالَاتٍ لِتَأْيِيدِهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ! وَلِإِثْبَاتِ صِحَّةِ هَذَا الِادِّعَاءِ، يَكْفِي فَقَطْ قَضَاءُ بَعْضِ الْوَقْتِ فِي الْبَحْثِ عَبْرَ الإِنْتَرْنِت...
عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ:
١- تَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ فِي الإِسْلَامِ؛ ضَرُورَاتُهُ، أَضْرَارُهُ وَتَعْقِيدَاتُهُ – دَاوَرِي آذَرْدُخْت، ١٣٨٩، مَوْقِعُ پَارْسِينَة.
٢- أَسْبَابُ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ وَتَعَدُّدُ الزَّوْجَاتِ لَدَى الرِّجَالِ – تَهْرَانِي عَلِي، ١٣٩٢.
٣- هَلْ طَبِيعَةُ الرَّجُلِ تَعَدُّدِيَّةٌ فِي الزَّوَاجِ؟ – عَلِي مُحَمَّد، ١٣٨٥، الْمَوْقِعُ الإِعْلَامِيُّ لِلْحَوْزَةِ.
المصادر:
• جبران مسعود: قاموس رائد الطلاب، ترجمة عبد الستار قمري، 1382 هـ.ش، الناشر: یادواره کتاب.
• خسرواني شريعتي سيد محمود وآخرون: معجم القرآن، بدون تاريخ، بدون ناشر.
• السيد محمد حسين الطباطبائي: تفسير الميزان، 1350 هـ.ش، ترجمة محمد باقر موسوي همداني، 1374 هـ.ش، منشورات الإسلامية، الطبعة الثانية.
• محمود عادل سبزواري: معجم مفردات القرآن الكريم، 1387 هـ.ش، دار النشر ثالث.
• عبد النبي قيم: القاموس المعاصر عربي - فارسي، 1386 هـ.ش، الناشر: فرهنگ معاصر.
• القرآن الكريم.
• سيد قطب: في ظلال القرآن، ترجمة مصطفى خرم دل، 1393 هـ.ش، الطبعة الخامسة، نشر احسان.
• مجتبی محامد: البرنامج البرمجي “قرآني”.
• رشيد الدين أبو الفضل الميبدي: كشف الأسرار، 520 هـ.ق، تحقيق: علي أصغر حكمت، 1337 هـ.ش، نشر جامعة طهران.
الآراء
المسلم السلفي
23 فروردین 1404 - 18:16من منظور سلفي، يمكن تحليل المقال والانتقاد على النحو التالي: التحليل من منظور سلفي: 1. التمسك بالتفسير الحرفي للنصوص: المنهج السلفي يولي أهمية كبيرة للتمسك بالتفسير الحرفي للنصوص القرآنية والحديثية، ويتجنب التأويلات التي قد تتعارض مع ظاهر النص. في هذا المقال، الكاتبة تذهب إلى تفسير حرفي للآيات القرآنية وتربط التعدد الزوجات بحالات محددة جدًا تتعلق بحماية اليتامى وإدارة أموالهم. من وجهة نظر سلفية، هذا التفسير قد يُعتبر قريبًا من منهج السلف في فحص النصوص، لكن الانتقاد سيكون في تركيز الكاتبة على قيد ظروف محددة لإباحة التعدد، وهو أمر قد يتناقض مع الفهم السلفي الذي يعتقد أن التعدد جائز بشرط العدل بين الزوجات، دون تقييد لظروف معينة. 2. القول بأن التعدد محصور في نطاق ضيق: يرى المنهج السلفي أن حكم التعدد جاء في القرآن باعتباره حكمًا عامًا وليس مقتصرًا على حالات معينة، ويمكن تطبيقه طالما توافرت الشروط الأساسية مثل العدل بين الزوجات. المقال يحد من مشروعية التعدد بحصره في ظروف رعاية اليتامى وحماية أموالهم، وهذا قد يُعتبر تقييدًا غير مبرر للنصوص القرآنية التي تبيح التعدد بشكل عام. 3. إغفال السنة النبوية: من منظور سلفي، يعتبر فهم القرآن يجب أن يتماشى مع السنة النبوية. في هذا المقال، يركز الكاتبة على تفسير الآيات بشكل حرفي دون أن تذكر ما جاء في السنة النبوية بشأن التعدد. الحديث عن تبرير التعدد من خلال الآيات وحدها قد يُعتبر قاصرًا من منظور سلفي لأن السنة النبوية تشرح وتفصل النصوص القرآنية. الحديث النبوي عن تعدد الزوجات لا يقتصر على حالات خاصة بل يشمل المجتمع الإسلامي بشكل عام، وهو ما لم يتم تناوله بشكل كافٍ في المقال. 4. عدم التركيز على العدالة بين الزوجات: في المنهج السلفي، يُعتبر العدل بين الزوجات شرطًا أساسيًا لتعدد الزوجات. المقال يتحدث بشكل رئيسي عن شرط حماية أموال اليتامى دون الإشارة إلى أن شرط العدل بين الزوجات هو الأهم والأولى في تطبيق التعدد. ومن ثم، يمكن انتقاد المقال لأنه لم يأخذ بعين الاعتبار هذا المبدأ الأصيل في الفقه السلفي. 5. الانتقاد لقيود التعدد: من المنظور السلفي، فرض القيود على التعدد بناءً على السياق التاريخي (كما جاء في المقال) قد يُعتبر تقليصًا لتفسير الشريعة بشكل عام. السلفيون يرون أن التعدد هو حكم إلهي عام، ولا يجب تقييده بمواقف تاريخية محددة ما دام الرجل قادرًا على العدل بين زوجاته. النقد: 1. إضعاف مفهوم التعدد: المقال يُضعف من مفهوم التعدد كما ورد في القرآن والسنة، حيث يحصره في سياق معين يرتبط باليتامى، مما قد يُفهم أنه تقليل من مشروعية التعدد. السلفيون يرفضون هذا التفسير المحدود لأن التعدد في الإسلام هو حكم عام يتماشى مع الشريعة الإسلامية في ظروف متعددة، ولا يتوقف فقط على رعاية اليتامى أو الأوضاع الاستثنائية. 2. عدم توضيح الشروط العامة: السلفيون يرون أن الشروط العامة لتعدد الزوجات، مثل القدرة على العدل بين الزوجات، يجب أن تكون أساسية في أي نقاش حول التعدد. المقال لم يركز على هذه النقطة بشكل كافٍ، بل ألقى بالعبء على الظروف الاجتماعية، مثل رعاية اليتامى. من منظور سلفي، يُعتبر هذا قصورًا في الفهم الشامل لحكم التعدد في الشريعة. 3. الفهم الضيق للسياق التاريخي: من منظور سلفي، يتم تفسير النصوص القرآنية وفقًا للسياق العام، وليس فقط السياق التاريخي الضيق. المقال يقتصر على تفسير الآيات في ضوء وضع اليتامى وحمايتهم فقط، مما يُعتبر قيدًا يحد من عمومية النصوص القرآنية، بينما السلفيون يعبرون عن تفسير أوسع يربط الحكم بمفاهيم العدالة والرحمة في المجتمع المسلم ككل. 4. التشكيك في تبرير الممارسات الحالية: المقال يتطرق إلى مسألة تبرير الممارسات الحالية لتعدد الزوجات بناءً على الفهم الخاطئ للنصوص، لكن السلفيين يؤكدون أن هذه الممارسات يجب أن تُفهم في ضوء الكتاب والسنة، مع الأخذ في الاعتبار توافر الشروط الإسلامية الأخرى مثل العدل والقدرة.